قصائد في الزهد
سفري بعيد وزادي لــن يبلغنـي وقوتي ضعفت والمــوت يطلبني
ولي بقايا ذنـوب لسـت أعلمهـا الله يعلمها في السـر والعلـــنِ
وأنا الذي أغلق الأبواب مجتهـداً على المعاصي وعين الله تنصرنـي
ما أحلم الله عني حيث أمهلنــي وقد تماديت في ذنبـي ويسترنـي
كأنني بين تلك الأهـل منطرحــاً على الفراش وأيديهـم تقلبنــي
وقد أتوا بطبيــب كـى يعالجنـي ولم أر الطبيب اليـوم ينفعنــي
واشتد نزعي وصار الموت يَجْذِبُها من كل عرق بلا رفـق ولا هـونِ
كأنني وحولي مـن ينـوح ومـن يبكــي علّى وينعانـي ويندبنـي
وقام من كان أحب الناس في عجل نحو المغســل يأتينـي يغسلنـي
فجاءني رجـل منهـم فجردنـي من الثيـاب وأعرانـي وأفردنـي
وأوعـدوني على الألواح منطرحاً وصار فوقـي خرير المـاء ينظفني
وأسكب المـاء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى النـوم بالكفـنِ
وحملوني علـى الأكتاف أربعــة من الرجـال وخلفـي من يشيعني
وقدموني إلى المحـراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثـم ودعنــي
صلوا علّى صلاة لا ركــوع لهـا ولا سجــود لعـل الله يرحمنـي
وأنزلوني إلى قبري علــى مهـل وقدموا واحـــداً منهم يُلحدوني
فكشف الثوب عن وجهي لينظرنـي فأسكب الدمع من عينيه أغرقنـي
وقال هلوا عليه التراب واغتنمـوا حسن الثواب من الرحمن ذي المننِ
وأخرجوني من الدنيا فـ وأسفـاه على رحيــلٍ بـلا زادٍ يبلغنــي
وتقاسم الأهل ما لم بعدما انصرفوا وصـار وزري على ظهري فأثقلني
يا نفس ويحك توبي واعملي حسناً يا نفــس كفــي عن العصيـانِ
يا نفـس توبــي واعملي حسناً يا نفــس كفــي عن العصيـانِ
يا نفس كفي عن العصيان واغتنمي حسن الثواب من الرحمن ذي المننِ
يا نفـس قــد أزف الرحيـــل وأظلكــي الخطُــب الجليـــلُ
فتأهبـــــــي يا نفـــس لا يلعب بكـي الأمــل الطويــلُ
فلتنزلــن بمنــــــــزل ينسـى الخليــل بــه الخليــلُ
وليركبــن عليكــي من الثرى ثقـــــــلٌ ثقيـــــــلُ
قُرِن الفنـــاء بنا جميعــــاً فلا يبقى العزيـــز ولا الدليــلُ
***
دع ما فات عنك في زمن الصبـا واذكر ذنوبك وابكهــا يا مذنـبُ
لم ينسه الملكان حين نسيتـــهُ بل أثبتـــاه وأنت لاهٍ تلعـــبُ
والروح منك وديعة أودعتهـــا سوف تردهـا بالرغم منك ولتُسلبُ
وغرور دنياك التي تسعد لهـــا دائرُ حقيقتــها متـاعٌ يذهــبُ
الليل فاعلم والنهار كلاهمــــا أنفاسنا فيها تعـــد وتحســبُ
***
آيا عندكــم يــراك الله عاصيـاً حريصاً على الدنيا وللموت نسيانا
أنسيت لقاء الله واللحـد والثــرى ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصي
لو أن المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عريانا ولو كـان كاسيــا
ولو أن الدنيــا تــدوم لأهلهــا لكان رسول الله حيــاً وباقيــا
ولكنها تفنى ويفنـــى نعيمُهــا وتبقى الذنوب والمعاصي كما هى
***
أنت نفسي تتــوب فمـا احتيالـي إذا بــرز العبـاد لـذي الجـلال
وقامـوا مـن قبورهـم سكــارى بــأوزارٍ كأمثـــال الجبــال
وقد نُصـب الصـراط كـى يجاوزوا فمنهم من يُكبُ علـى الشمــال
ومنهم من يُسيّــرُ لـدارِ عــدنٍ تلقيـه العرائــس بالغــوالي
يقول لــه المهيمــن يا ولــىّ غفرت لك الذنــوب فلا تبالـي
***
أنا العبد الذي كســب الذنــوب وصدته الأماني أن يتــوب
أنا العبد الذي أضحــى حزينــاًَ علـى زلاتـه فزعـاً كئيبـاً
أنا العبد السقيم مــن الخطايــا وقد أقبلت التمـس الطبيـب
أنا العبد المفرط ضــاع عمـري فلم أرعى الشبيبة والمشيـب
أنا العبد السقيم مــن الخطايــا وقد أقبلت التمـس الطبيـب
فيا حزناه من حشـري ونشــري بيومٍ يجعـل الولـدان شيبـا
ويا خجلاه من قبــح اكتســابي إذا زفـرت وأفزعـت القلوب
آلا فاقلع وتُب واجـهــد فإنــا رأينا كـل مجتهـدٍ مصيبـا
وكن للصالحين أخــاً وخـــلاً وكن في هذه الدنيـا غريبـا
وقل أنا العبد الفقير ظلمت نفسـي وقد وافيتُ بابُكمــا منيبـا
وقل أنا المقطوع فارحمني وصلني ويسر منك لي فرحـا قريبـا
وقل أنا المضطر أرجو منك عفـواً ومن يرجو رضاك فلن يخيب
***
قل للطبيب تخطفتـــه يــدى الردى يا شافي الأمـراض مــن أرداكَ
وقل للمريض نجـــا وعوفى بعدمـا عجزت فنون الطب مـن عافــاكَ
قل للصحيح مات لا من علــــــةٍ من يا صحيح بالمنـايــا دهـاكَ
بل سائل الأعمى خطا وســـط الزحام بلا اصطدام من يا أعمى يقود خطاكَ
بل سائل البصير وكان يحفـــر حفرة فهـــوى بها من ذا الذي أهواكَ
وسل الجنيـــــــن يعيش معزولاً بلا راعٍ ومرعى من ذا الذي يرعاكَ
وإذا ترى الثعبان ينفثُ سمّــــــهُ فسله من يا ثعبـان بالسموم حشاكَ
واسأله كيف تعيش يا ثعبــــــان أو تحيــــا وهذا السم يملأ فاكَ
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهدا وقل للشهــــد مــن حــلاكَ
بل سائل اللبن المصفى من بين فرث ودم من ذا الــــذي صفـــــاكَ
***
تذكر وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشا قلق الأحشــاء حيرانــــا
والنار تلهب من غيظ ومن حنق على العصاة ورب العــرش غضبانــا
إقرأ كتابك يا عبدي على سهـلٍ فهل ترى فيــه حرفـــا غير ما كان
فلما قرأت ولم تنكـر قرأتــه وأقررت أقرار من عرف الأشياء وعرفانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتـي وأمضوا بعبدٍ قد عصى للنار عطشانــا
المشركون غداً في النار يلتهبوا والموحدون بــدار الخلــد سكانــا
***
النفس تبكي على الدنيا وقــد علمــت أن السلامة فيهــا ترك ما فيها
لا دار المرء بعد المــوت يسكنهـــا إلا التي كان قبل المـوت يبنيها
فإن بناها بخيـــرٍ طـــاب مسكنـه وإن بناها بشرٍ خـاب بانيهــا
أموالنـــا لذوي الميراث نجمعهـــا ودورنا لحزاب الدهــر نبنيـها
وكم من مدائـــن في الآفاق قد بنيـت أمست حزابا وأفن الموت أهليها
أين الملـوك التـي كانـت مسلطنـــة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
إن المكـــارم أخـــلاق مطهـــرة الدين أولهــا والعقل ثانيهــا
والعلم ثالثهـــا والحلــم رابعهـــا والجود خامسها والفضل باقيهـا
لا تــــركنـــن إلـــى الدنيــا فالموت لا شك يفنينا ويفنيــها
واعمل لدار غـدٍ رضــوان خازنهــا والجار أحمد والرحمن ناشيهــا
قصورها ذهـب والمســـك طيـنتهـا والزعفران حشيش نابــتٌ فيها
أنهارها لبـنٌ مصفــى ومن عســـل والخمر يجري رحيقاً في محاربها
والطير تجري على الأغصان عاكفـــة تسبح الله جهراً في مغانيهـــا
فمن يشتري الدار في الفردوس يعمُرهـا بركعةٍ في ظلام الليـل يًحييهــا
|